سوسيولوجيا الفن
لم تعد تنظر سوسيولوجيا الفن إلى هذا الأخير كشيء خاص. وكما أشار الأمريكي هوارد بيكر في دراسته الفريدة "عوالم الفن"؛ فالاتجاه المهيمن من قبل هو ذلك الذي يدرس الفن كشيء خاص، ويعلي من شأن الإبداع، ومن ثم ينظر إلى جوهر المجتمع من خلاله. لم يعد الفن شيئا خاصا خلاقا يشير إلى عبقرية صاحبه، لأن هذه الأطروحة هي بحد ذاتها تضمر رهانات نشأت عن ظروف تاريخية مرتبطة بالقرن التاسع عشر. فالفن والفنان لا يتعدى عمرهما قرنين من الزمن. قبل ذلك، كان "الفن" عبارة عن حرفة ومهارة تستأجر لراع من الطبقة الأرستقراطية أو الحاكمة، فتوجه عمله وتملي عليه تفاصيله، فيسري العمل بشكل جماعي لا فردي. لقد ابتكر رومانسيو القرن التاسع عشر لفظة (Art) بحرف كبير للإشارة إلى فضاء مقدس متعال لا يمسه إلا أولئك العباقرة من المنعزلين متقلبي المزاج، الذين يشجبون تفاهة الواقع، ويذمون انحطاطه، فأنتجوا صورة نمطية عن الفنان.
لقد عمدت سوسيولوجيا الفن إلى تفكيك مفهومي الفن والفنان، حيث لم يعد بالإمكان اعتبارهما شيئين مستقلين عن الظروف التي صنعتهما، لكن هذا لا يعني أن الفن لم يؤسس له فضاء خاصا ينظم به ذاته وعلاقته مع المجتمع. وسواء اعتبرنا هذا الفضاء "حقلا" (champ) بلغة بورديو، أو عالما-فنيا (art-world) بلغة بيكر، فالأمر يشير في آن إلى وجود علاقات داخلية وخارجية تفعل ما تفعل، ليكون الفن ما هو عليه من قيمة وتأثير.
ليس الفن في علم الاجتماع سوى "شيء ما" اعتبرته "جماعة ما" على أنه فن. إذا تجاوز العلم هذا التعريف، سينخرط في عملية إنتاج قيمته، فيفوت على نفسه فرصة فهمه وفهم الأفهام المنسوجة حوله.
Commentaires
Enregistrer un commentaire